صفي الدين الحلي سل الرماح العوالي عن معالينا صفي الدين الحلي هو عبد العزيز بن سرايا بن نصر الجلي الطائي ، ولد في الحلة سنة ٦٧٧ هـ لأسرة على شيء من اليسار وسعة الحال.
ألحقته بالكتاب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ الأشعار ، وتدرب على ركوب الخيل ، وقد نظم الشعر في سن مبكرة في بداية حياته.
شرح قصيدة صفي الدين الحلي يفخر بقومه
قُتل خاله في حوادث جرت في مدينته الحلة ، خاض صفي الدين غمارها فاظهر بطولة وفروسية ، وقد امتدت فاضطر إلى الرحيل إلى بغداد.
وصل في رحلته إلى ( ماردين ) ومدح أميرها الملك نجم الدين غازي بن أرتق ، فاكرمه إكراماً بالغاً ، ونظم فيه صفي الدين ديواناً.
كانت حروف قوافيه على حروف المعجم ، فهو يضم تسعاً وعشرين قصيدة كل قصيدة على حرف روي وفي كل و قصيدة تسعة وعشرون بيتا ، أسماه ( درر النحور في مدائح الملك المنصور ) ومدحه بقصائد أخرى.
كما مدح ابنه بعده ، وطاف في بلاد الشام حتى استقر في مصر زمناً ، وأخيراً توفي في بغداد في سنة 750 هـ حين انتشر الطاعون ، فأتى عليه عن ثلاث وسبعين سنة من العمر.
جمع صفي الدين الحلي ديوانه في حياته ، وقد نظم في أغراض الشعر العربي المعروفة كالمدح والفخر والحماسة والرثاء والخمريات والغزل والشكوى والهجاء والألغاز.
وقد أخذ على نفسه ألا يمدح أحداً ولا يهجو أحداً بل نظم في مدح الرسول الكريم وآل بيته الأطهار وفي الفخر بآبائه وأعطى صحابة الرسول الكريم حقهم من حبه ومديحه بلا تعصب يقول :
- ولائي لآل المصطفى عقد مذهبي
- وقلبي من حب الصحابة مفعم
- ومـا أنـا ممن يستجيـز بحبهـم
- مسبـة أقـوام عليهم تقدموا
- ولكنـي أعطـي الفريقين حقهم
- وربـي بـحـال الأفضلية أعلـم.
آثاره : خلف صفي الدين الحلي بعده آثاراً أدبية كثيرة منها :
- دیوانه .
- الكافية البديعية وهي قصيدة تقع في ( ١٤٥ بيتا ) ضمنها ( ١٥١ نوعاً ) من فنون البديع.
- نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية .
- الدر النفيس في أجناس التجنيس .
- العاطل الحالي والمرخص الغالي .
- المثالث والمثاني في المعالي والمعاني .
- لوعة الشاكي ودمعة الباكي .
- الرسالة التوأمية .
- رسالة الدار في محاورات الفار .
- الخدمة الجلية رسالة في وصف الصيد بالبندق ، وغيرها.
تحليل قصيدة صفي الدين الحلي بيض صَنائِعُنا
سـلـي الـرمـاح الـعـوالـي عـن معالينا
واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينـا
لمـا سعـينـا فـمـا رقـت عـزائـمنـا
عـمـا نروم ولا خـابـت مـسـاعيـنـا
يـا يـوم وقـعة زوراء الـعـراق وقـد
دنـا الأعـادي كـما كانوا يدينونـا
بضـمـر مـربـطنـاهـا مسـؤمـة
إلا لنـغـزو بـها مـن بـات يغزونـا
وفتـية إن نقـل أصغـوا مـسـامـعهـم
لـقـولـنـا أو دعـونـاهـم أجـابـونـا
قـوم إذا استخـصموا كـانوا فراعنـة
يـومـاً وإن حـكـمـوا كـانـوا مـوازيـنـا
إذا ادعـوا جـاءت الـدنـيـا مصدقة
وإن دعـوا قـالـت الأيـام آمـينـا
إن الـزرازيـر لـمـا قـام قــائمـهـا
تـوهـمـت أنـهـا صـارت شـواهـيـنـا
ظنت تـأنـي البـزاة الشـهب عن جزع
ومـادرت أنـه قـد كـان تـهـوينـا
ذلـوا لأسيـافنـا طـول الـزمـان فـمـذ
تـحـكـمـوا أظـهـروا أحـقـادهـم فـينا
إنـا لـقوم أبـت أخـلاقـنـا شـرفـاً
أن نـبتـدي بـالأذى مـن لـيس يـؤذينا
بيـض صنـائـعنـا سـود وقائعنا
خـضـر مـرابـعـنـا حـمـر مـواضينا
لا يـظـهر العـجز منـا دون نيـل مني
ولـو رأيـنـا المـنـايـا فـي أمـانـيـا
معاني بعض الكلمات
- البيض : السيوف ، الرجا : أي الرجاء ، الأمل، استشهد : اطلب شهادة .
- رقت : وهنت وضعفت، نروم : نبتغي ونريد
- خابت : فشلت، دان : خضع ، وجازي ، وكافأ
- ضمر : جمع ضامر ، وهي الرشيقة الأصيلة من الخيل، مسومة : عليها وسم ، علامة على كرم أصلها .
- الزرازير : أكـبر من العــصفور، البزاة : جمع باز ، وهو ضرب من الطيور الكاسرة ، الشواهين : مفردها شاهين وهو جنس من الصقر طويل الجناحين . تهوينا: استهانة واستصغاراً ، صنائعنا : أفضالنا وأيادينا .
تحليل قصيدة صفي الدين الحلي
هذه القصيدة واحدة من روائع شعر الحماسة وغرره على مدى العصور الأدبية المختلفة ، يخاطب بها صفي الدين الحلي على عادة الشعراء العرب امرأة يتوهمها في فكره.
ويدعوها لأن تسأل الرماح العالية وهي أدرى يوم المعركة بشجاعتهم ، وتطلب شهادة السيوف وهي أعلم ، في يوم اللقاء تسألها هل خيبوا الأمل أو تخاذلوا.
الاستفهام هنا يراد به النفي يريد أنهم لم يخيبوا الرجاء فيهم فقد سعوا بعزائم لم تهن عن تحقيق أهدافها ولم تضعف في أخذ الثأر من أعدائهم وواتريهم .
ويذكر وقعة الزوراء حين ثار وصحبه ثأراً لمقتل خاله ، ردوا عليهم ضربتهم يوم تقدموا بجياد ضامرة أصيلة ، وقابلوا غزوة أعدائهم بمثلها ، قاد المعركة وأسهم فيها فتية يستجيبون للنداء ، لا يترددون ولا يسألون عن الهدف ولا عن السبب.
تماماً كما فعل فرسان الجاهلية من قبل ، فهم : لا يسألون أخاهم حين يطلبهم في النائبات على ماكان برهانا فهم قوم يقيمون العدل كالميزان لا خيانة فيه ، وهم جبابرة فراعنة عتاة إن خوصموا ، تستجيب لندائهم الدنيا فتصدقهم في ما يقولون ويدعون .
ينتقل بعد ذلك الى خصومهم فيصورهم بغاثاً ضعيفة لا تستطيع لقاءهم وهم النسور القوية ، لقد ذل أولئك الخصوم لسيوفهم زمناً طويلاً حتى إذا أمكنتهم الفرصة اظهروا حقدهم وعداوتهم وتلك سمة الجبان الغادر.
شرح البيت بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا هنا يفخر الشاعر بقومه فهم ذو أخلاق وأدب جم ، لا يبتدؤون الآخرين بالأذى والعدوان ، أعمالهم واضحة بيضاء ، وحروبهم نار وظلام وقتام على أعدائهم ، ومرابعهم خصبة خضر وسيوفهم حمر من دماء أعدائهم ، كما أنهم ذو همم عالية وإقدام لا يقف العجز في سبيل تحقيق أهدافهم ، ولو كان الموت معترضاً سبيل تحقيقها .
هذا مقطع من واحدة من غرر روائع أدبنا العربي ، كانت صادقة العبارة بينة الفكرة فالأفكار تتسلسل دونما تعقيد ولا تكلف ، فلا تكاد ترى ما فيها من فنون البلاغة وإن وردت فقد وردت عفواً دون تصنع ولا قصد إليها.
جاءت المقابلة والمطابقة بين بيض وسود ، وخضر وحمر ، وكنى عن صغر خصومه وضعفهم وهوانهم بأنهم زرازير وعن قوة قومه وقوتهم وشموخهم وسموهم كنى بالشواهين .
والجناس لا يكاد يبين كما في قوله : ادعوا ، و دعوا . وتلك ميزة أكسبت هذه القصيدة الخلود فضلا عن سمو موضوعها وسلاسة الفاظها ووضوح معانيها ونبل مقاصدها .